عندما تلتقي الحكمة مع الإنسانية، ويـجتمع النبل مع الإدارة، ويلتحم القائد مع تطلعات الجـماهير؛ يكتمل بـهاء الصورة، ويتم بدر الكمال… أقول ذلك على خلفية الجهود الإنسانية البارزة التي يبذلها أمير عسير الإنسان تركي بن طلال بن عبدالعزيز في سياق إرساء السلم المجتمعي، ووأد كل ما يدعو للفرقة والتشرذم ، لكنَّ جهوده المباركة تأبى إلاَّ أن تتسربل بنسيجٍ إنساني شفيف، ينُمُّ عن حسٍ مُرهَف، ونفسٍ أصيلة، تـجمع في طياتـها بين الحق والواجب من ناحية، وبين نبل الـمقصد، وسمو المنهج من ناحية أخرى.
ولعل القارئ الكريم قد لفته كما لفتني ذلك الحدَث، الذي نَقَلته مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتصل بـحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير، إحدى جلسات الاحتفاء بإتـمام صُلح قبائل (بللسمر) التاريخي بين آل جرمان ,وآل غرامة، وما صدر عن سـموه في هذه الجلسة من سلوك يدل على حكمةٍ بالغة، وأخلاق لم تنجم من فراغ، وإنـما هي موروث خصال تركها قوم أفاضل، وهي ــــ كـما أشار أبو الطيب المتنبي ــــ “شيمٌ على الحسب الأغرِّ دلائلُ”، وقيم تعتـز بالوفاء، وتعلي من قيمة العمل، وتـحفظ الفضل لأهل الفضل، وتصون الجميل لأرواح مَنْ أخلص في العطاء، وتثمين ذلك العطاء في الوجد والفقد، في الحياة والموت.
لقد أعْرَبَ سـمو الأمير تركي بن طلال عن سمات لا يتمتع بـها إلاَّ كبار البشر مـمن يـجمعون بين حزم القائد، ولِيـن الأخ الشقيق، النَّاصح الأمين، حينما جمع أمامه فرقة شباب(بللسمر) التراثية، وقد تجهّزوا لتقديم ” موروثهم الشعبي” احتفاءً بإتـمام الصُّلح، وإعلاء الفرح والبهجة كعادتهم في أفراحهم، وتـحدَّثَ فيهم مُعبِّراً عن تقديره الشخصي لـهم ولجهودهم، ومُـثمّناً لقيمة هذا الفن الشعبي الأصيل، وما ينطوي عليه من قيمٍ تاريـخية، واجتماعية رافقت المجتمع السعودي سِلْماً وحرباً، وفي الوقت ذاته يشير عليهم بأخوة القائد، الذي يـحرص على أواصر الـمودة، وعلائق الأخوة، بل وتـجاوز إلى ما هو أبعد من ذلك، هو مراعاة المشاعر والأحاسيس، حيث قرر تأجيل هذه الفقرة الاحتفالية؛ مراعاة لمشاعر القبيلة نفسها (بللسمر) الذين فقدوا رجلاً من أشد الرجال إخلاصاً للمملكة، وهو اللواء محـمد بن علي الأسمري ــــ رحمه الله ــــ مدير عام السجون بالمملكة العربية السعودية، حيث كان من خيرة أبناء الوطن، وقد شهد له الجميع بالولاء، والإخلاص لدينه، ومليكه، ووطنه، ولعلَّ إرجاء هذه الاحتفالية إلى وقت آخر لفتةً طيبة؛ تكون عزاءً لأهله، وإعلاء لقيمة الوفاء الإنساني العظيم من جانب آخر.
إنَّ لهذا الموقف الإنساني البالغ الرهافة عدداً من الدلالات:
أولها: تقدير الأمير لقيمة الموروث الشعبي، ودوره في تـجسيد هويّة الوطن، وهو ما أعرب عنه بلسانه.
ثانيها: إعلاؤُه من قيمة المشاعر الإنسانية التي تـحفظ الجميل للرجال من أصحاب القامات العالية، حتى وإن فارقوا الحياة؛ لأنَّ أعمالهم ما زالت حية تشهد لهم، وتُنافح عنهم.
ثالثاً: احترام الشباب، وحسنُ خطابهم، والاعتذار لهم، ووعدهم بتوفير فرصة أخرى لعرض عملهم، وقد كان ممكناً إصدار القرار من دون شفعه بتوضيح ولا اعتذار….
كل هذه الدلالات تضع القارئ والسامع والمشاهد أمام إنسانية القيادة التي ترفع من شأن الإنسانية، وتضعها فوق كل اعتبار.
تركي بن طلال بين إنسانية القيادة وقيادة الإنسان
شارك هذا الرابط:
التعليقات (٠) أضف تعليق